السلام عليكم
تتمة الجزء الأول :
( سورة الإسراء )
الآن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح الذي أورده الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام :
(( طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ )) .
فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يريدنا أن ننزلق إلى إطعام الطعام من أجل التفاخر ، وليمة العرس سنة ، أن تدعو الناس إلى طعامٍ بمناسبة الزواج هذا سنة ، والآن بعد الطعام الاحتفال ، عقد قران تتلى فيه المدائح النبي ، تلقى كلمات توجيهية ، يوزَّع نوع من الحلوى في الصيف ، وفي الشتاء نوع آخر ، فإطعام الطعام من السنة ، والاحتفال من السنة ، وأنا أفضل ألف مرة أن يكون هناك حفل عقد قران ، أولاً ما الفرق بين النكاح والسفاح ؟ النكاح إعلان ، حينما تدعو مئتي رجل لحضور عقد قران ، وتتلى في هذا العقد قصة المولد ، وتتلى مدائح النبي عليه الصلاة والسلام ، تلقى كلماتٌ توجيهية ، هذا اسمه إعلان ، فالإعلان من لوازم النكاح ، لكن من دون إسرافٍ ولا مخيلة ، والآن في هناك تقليد والله أنا أشجعه كثيراً ، يوزع كتاب قيم ، وما من بيت ما فيه مصحف بل فيه عشرون مصحفا ، خمسين ، مع أنه أعظم الكتب على الإطلاق ، لكن لما توزع مصحفا ما أضفت شيئاً جديداً ، البيت فيه مصاحف ، لكنك إذا وزعت كتاباً في الحديث الشريف ، كتاباً في الفقه ، اسأل أهل العلم في اختيار هذا الكتاب ، أحياناً كتاب قيم جداً ، هذا الكتاب إذا وزع مع مضي الزمن تتشكل مكتبات إسلامية في البيوت ، الآن تتشكل مكتبات كلها صحون ، فلو وزع كتاب قيم بثمن الهدية تتشكل مكتبات في البيوت جميعاً ، شيء جميل جداً ، وأنا أفضل إذا كان أحب أخ أن يوزع كتابا يسأل أهل العلم عن أي كتاب يشتري ، كتابا في الأدعية ، كتابا في الأحاديث ، كتابا بالفقه مختصر ، كتابا ملخص إحياء علوم الدين ، الآن له ملخصات جيدة ، كتاب قيم جداً يوزع هدية .
وقد أعجبني جداً تقليداً آخر ، فقد حضرت عقد قران لم يوزع شيء ، العادة توزع الهدية مع بطاقة الدعوة ، والذين يدعون إلى هذا العقد من أغنياء البلد ، لم يوزعوا شيئا ففوجئت وقلت : لعل التوزيع في أثناء الحفل ، وفي الحفل لم يوزعوا شيئا ، لكن خطيباً قام يخطب وقال : "أصحاب الدعوة توقعوا أن يكون ثمن هذه الهدايا قريباً من سبعمئة ألف ليرة ، والحاضرون يبلغون ألف شخص ، وكل شخص هديته ثمنها سبعمئة ليرة ، فالمبلغ سبعمئة ألف ، أودعت عند رجل موضع ثقةٍ ، ليزوج بها الشباب المسلمين " .
حضرت أربع عقود مثل هذا العقد ، المبلغ تسعمئة ، أو ألف ، أو مليون تقريباً كل عقد ، هذا المبلغ هو ثمن الهدايا ، رصد لتزويج الشباب المسلم ، هذا أيضاً تقليد ، إلى متى نحن نتباهى بهذه العلب ، وهذه الصحون ، ونشتريها من بلادٍ بعيدة ، ويذهب ثمنها من إنتاجنا ومن قوتنا ؟ إما أن تقدم كتاباً يسهم في تشكيل مكتبة في بيوت المسلمين ، أو أن تسهم بتزويج شابٍ .
لذلك المتباريان ، من هما المتباريان ؟ اللذان يصنعان الولائم للتباهي وللتنافس ، المتباريان لا يجابان ، ولا يؤكل طعامهما .
روى أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه ، بِمُدَّيْنِ من شعير ، ويروي لنا أنسٌ رضي الله عنه قصة وليمة أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أقام النبي عليه الصلاة والسلام بين خيبر والمدينة ثلاثاً يبني عليه لصفية بنت حييّ ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ، ما كان فيها إلا خبزاً ولحماً .
إنه طعام طيب ، لكنه معقول ، أحياناً ترى شيئًا يدمي القلب ، أربعة أخماس الطعام ألقي في القمامة ، طعام نفيس جداً ، وسمعت الآن خبرا سارا ، أن جمعيةً تعمم على كل المحتفلين بأعراسهم ، وإقامة الولائم في بيوتهم ، أو في بعض الصالات ، يخبرونها ، فتأتي عند انتهاء الوليمة ، فتأخذ كلّ ما على الطاولات ، وبأساليب جيدة جداً توضع في أطباق ، وفي أكياس محكمة ، وتوزع على بيوتاتٍ فقيرةٍ فوراً .
مرة حضرت دعوة عقد قران مع طعام عشاء ، دهشت أن هذا الطعام كثير جداً ، والضيوف لم يأكلوا خمسه ، بقي في نفسي تساؤل ، في اليوم التالي سألت أحد المقربين من الداعي ، قال لي كلمةً والله أثلجت قلبي ، قال لي : والله ما ضاع من هذا الطعام حبة رزٍ ، كلِّ هذا الطعام وضع في علب ، وفي أطباق ، وذهب به إلى بعض المياتم ، وأكل هؤلاء الأيتام ، أطيب الطعام ، أسبوعاً بأكملّه .
فإذا أحب إنسان أن يقيم وليمة ، وحفظ الباقي من الطعام في عناية فائقة ، يوزع على بيوتات فقيرة فلا مانع ، بل هذا شيء جميل جداً ، القصد أن تُحفَظ هذه النعمة ، دققوا في قول النبي عليه والسلام :
((يا عائشة ، أكرمي مجاورة نعم الله ، فإن النعمة إذا نفرت قلما تعود )) .
والله أيها الإخوة ، أعرف أشخاصاً كانوا يلقون الطعام في القمامة ، والله وصل بهم الفقر إلى أنهم ينقبوا في القمامة ، فإتلاف الطعام ، إلقاء الطعام في القمامة ، الترفُّع عن بقايا الطعام هذا لا ينبغي .
( سورة الأعراف : آية " 31 " )
قال : ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة .
ويا أيها الإخوة ، لا زلنا في مبحث الفقر المصطنع الذي يضعه أولياء الفتيات أمام خاطبي فتياتهم ، بحيث تغدو هذه الطلبات تعجيزية ، وبحيث تجعل الزواج شبه مستحيل ، عندئذٍ ينحرف الشباب ، كما هو موجودٌ في واقعنا .
الموضوع الذي سنأخذه في الدرس القادم موضوعٌ مهمٌ جداً ، كيف أن أولياء الفتيات يكونون عقبةً أمام زواج فتياتهن ؟ وما حكم الشرع حينما يغدو الولي عقبةً كأداء أمام زواج الفتات ؟ كيف أن القاضي هو ولي من لا ولي له ، أو ولي من كان وليه متعنتاً ، موضوعٌ دقيق جداً نحاول أن نأخذه في درسٍ قادم إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين