الحرية... القيمة المستحيلة
محمد الحديدي
الجمعة 14 أيلول (سبتمبر) 2007, بقلم المركز المتعدد الوسائط
هل الحرية شيء لا حدود له? إذن لماذا القانون وأدوات تنفيذه? في كل الشرائع والقوانين حدود للحرية. وقد تطوّر الإنسان - الفرد والمجتمع - كثيرًا في منح الفرد أنواعًا متعددة من الحرية. وقد عشنا لنرى هذه الحرية نعمة ونقمة في وقت واحد, وهو تأكيد لمعادلة الحياة, وهي أن (الخير والشر بها توأمان), كما يقول الشاعر علي محمود طه. الإنسان حر في أن يملك السلاح ليدافع عن نفسه ضد الوحوش الحيوانية والآدمية, أدى هذا في المجتمعات الصناعية إلى تفشّي الجريمة, وأصبح من الصعب تقييد امتلاك السلاح لأن هذا سيضعف الأسوياء ويقوي المعوجين, فهم خارجون على القانون, والذين سيمتلكونه سواء بالقانون أو دونه. وفي عصر الرئيس الأمريكي كلينتون, حاول أن يحد من الجريمة عن هذا الطريق, فاصطدم بهذه العقبة, وكل ما أمكنه هو أن يحرم امتلاك السلاح الهجومي, يعني ليس مسموحًا للفرد العادي أن يمتلك دبابة - وهو ما كان يحدث فعلاً - أو مدفعًا رشاشًا. أما المسدس والبندقية فلا سبيل في أي بلد لتحريمهما.
وكذلك فإن المجتمعات المتقدمة أصبحت صارمة جدا في تطبيق الحقوق الدستورية لكل فرد, هناك قواعد للقبض على الناس وتقديمهم إلى المحاكمة, والإجراءات منصوص عليها في القانون, أدى هذا إلى استشراء المافيا والجريمة المنظمة, وكثيرًا ما يضطر القاضي إلى إطلاق سراح مجرم هو واثق من أنه مذنب, والأدلة كافية, وذلك لأن أي محام بارع يستطيع أن يثير اعتراضًا على إجراءات اعتقاله مثلاً أو ضبط السلاح المستخدم. وللعصابات الإجرامية المنظمة تاريخ طويل في الالتفاف حول القانون, وقد كتب الكثير عن هذا, ومنه أن واحدًا من أشرس المجرمين, آل كابوني, لم يتمكنوا من حبسه إلا بتهمة التهرّب من الضرائب بالرغم مما هو ثابت في حقه من ممارسة القتل والتهريب, وكل أنواع الشرور المصاحبة لذلك. هنا تتمثل مشكلة الحرية في أجلى صورها, مزيد من الحرية يعني المزيد من العنف والجريمة, لأن الحرية للجميع, بمن فيهم الأشرار, وهذا يصح أيضًا على المستوى السياسي, الحرية للجميع بمن في ذلك أعداء الحرية من الفاشيين والشيوعيين والأصوليين, وقد وصل هؤلاء إلى مقاعد الحكم في ألمانيا في الثلاثينيات, وفي شيلي في السبعينيات, وفي جميع هذه الحالات كان إرهاب السلطة كفيلاً بإبقائهم جالسين عليها إلى الأبد. ففي أيديهم الإعلام الحديث بما له من سطوة لم يسبق لها مثيل, ثم السلاح والمرتزقة الذين يحملونه, وما لديهم من النزعة إلى تدمير الآدمية بالتعذيب والاغتصاب, وهم - على الترتيب - يبررون فظاعاتهم بالمصلحة القومية, أو تحقيق العدالة! - أو بأنهم رسل الله على الأرض, وأنهم مكلفون بإعلاء كلمته. وفي هذه الحالات, كان لابد من استخدام القوة لإزاحتهم, سواء من الخارج أو من الداخل...